أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - الحزب الشيوعي العراقي - التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي















المزيد.....



التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي


الحزب الشيوعي العراقي
(Iraqi Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 3751 - 2012 / 6 / 7 - 22:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تضافرت طريقة اسقاط النظام الدكتاتوري البغيض مع تداعيات الاحتلال، وانهيار الدولة، والتغييرات العميقة في علاقات القوى السياسية والمجتمعية، والتركة الثقيلة للدكتاتورية، لتشكل بمجموعها أوضاعا استثنائية فريدة في بلادنا، ولتفجر تناقضات وصراعات متنوعة ومتداخلة، سياسية وقومية وطائفية واجتماعية، تراكمت عناصرها ومسبباتها على مدى عقود سابقة، واتسعت واشتدت بوجود القوات الأجنبية، وقوى الارهاب القادمة من الخارج، وامتداداتها وحواضنها في الداخل،وبتأثير التدخلات الخارجية، الاقليمية والدولية.

وقد وضعت هذه التطورات، وحقائق الاوضاع الجديدة التي نشأت بعد 9 نيسان 2003، شعبنا أمام مهمة أساسية مزدوجة، يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة الكاملة من جهة، وإعادة بناء الدولة العراقية على اسس دستورية ديمقراطية اتحادية وتحقيق تنمية اجتماعية – اقتصادية وضمان رفاه المواطنين، من جهة أخرى.
وليس بمعزل عن ذلك تمر بلادنا اليوم بمرحلة بالغة التعقيد والصعوبة، يتداخل فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية. وفي ظل الصراع المحتدم المتواصل فيها حول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي، تبقى الأوضاع مفتوحة على احتمالات عدة. ونتيجة لتعنت الكتل والاحزاب والقوى السياسية المتنفذة وعجزها عن ايجاد حلول ومخارج للازمة ، يظل تطور الاوضاع مرهونا ، الى حد كبير، بمدى قدرة جماهير الشعب والمجتمع المدني، بكل مكوناته، على التحرك والضغط في اتجاه الاصلاح والتغيير، بغية اخراج البلاد من ازمتها، وفتح فضاءات تطورها الديمقراطي الحقيقي، السياسي والاجتماعي، والسير على طريق الاعمار والبناء، وإقامة دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية، كاملة السيادة.


انطلاق العملية السياسية
تم تدشين العملية السياسية في صيف 2003، وهي، في نظر الحزب، عملية تهدف الى الانتقال بالعراق من الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد، إلى نظام دستوري يضمن الحقوق والحريات لجميع ابناء الشعب، واستكمال سيادته كبلد ديمقراطي اتحادي موحد مستقل. وقد اعتمدت العملية السياسية، والقوى المشاركة فيها، الأساليب السلمية في تداول السلطة ومبدأ التوافق السياسي، في حل المعضلات التي تعترض تصفية مخلفات الدكتاتورية وإنهاء الاحتلال، وفي إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وصياغة وإقرار الدستور الذي يرسي الأسس والمبادئ العامة لعملية إقامة الدولة الجديدة.
وشقت العملية السياسية طريقها عبر مسارات متعرجة، وفي خضم صراعات حادة بين القوى المشاركة فيها، ودموية في مواجهة القوى المناهضة لها - من إرهابيين وبقايا للنظام السابق وأطراف متنفذة، داخلية واقليمية ودولية، تقف خلفهم. ورغم تنوع أطراف واشكال هذه الصراعات، فإن محورها الأساس كان، في المطاف الأخير، التنافس على السلطة والثروة والقرار، وعلى تحديد شكل الدولة الجديدة ومضمونها. الى جانب كبح جماح من كانوا يريدون العودة بالوضع الى الوراء، متذرعين بوجود الاحتلال.
وعلى خلفية الصراعات بين الكتل والقوى السياسية المتنفذة، واستشراء الفساد في المؤسسات الحكومية، واستمرار تعقيدات الوضع الامني وترديه، والتدهور المريع في الخدمات العامة، وارتفاع الاسعار، وتصاعد نسب الفقر، وتفشي البطالة، واتساع التدخلات الخارجية في شؤون بلادنا الداخلية، وتحول ذلك كله، بالتدريج، إلى ازمة عامة تشمل شتى المجالات والمستويات، بات واضحا ان العملية السياسية لا تواجه صعوبات جدية واختلالات كبيرة وحسب، بل انها بدأت، فوق ذلك، تخرج عن مسارها السليم. لذلك برزت الحاجة الى اجراء مراجعة نقدية لمسيرتها وحصيلتها، ولأداء مؤسسات الحكم في سياقها، بغية اصلاحها وتصويب مسارها، وصولا بها الى الغاية المرجوة. ويتصدر هذه المهمة العملُ على تخليصها من اساس المشكلة، المتمثل في اعتماد نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية في تشكيل مؤسسات الحكم والدولة، والذي آلت اليه التوافقات السياسية.
وارتباطا بما تتركه هذه الأوضاع والأزمات المتتالية من تأثيرات سلبية على الملايين المحرومة ومعيشتها، ومن تغذية لمشاعر الاحباط والقلق والسخط في اوساطها، تصاعدت مطالبات الفئات الشعبية الواسعة بمعالجة المعضلات المعيشية والخدمية والاجتماعية التي تطحنها، وبوضع البلاد على طريق الاعمار والاستقرار. وتحولت تلك المطالبات، بمرور الوقت، إلى حركة احتجاجية ضاغطة، تشارك فيها وتدعمها قوى شعبية وسياسية ومنظمات مجتمع مدني واتحادات جماهيرية ونقابية، وتهدف الى تجاوز الشلل الذي يلف البلد ويعطل حركته الى الامام. واخذ يتسع ادراك الناس ان تحقيق مطالبهم مرهون باصلاح النظام، وإعادة الزخم الضروري إلى العملية السياسية، وفقا لمعايير وأسس جديدة، وتوازنات واصطفافات سياسية تنبذ نظام المحاصصة، وتعتق البلاد من تركته الثقيلة.


تعمق أزمة نظام المحاصصة
ونتيجة لعجز السلطة القائمة على قاعدة المحاصصة الطائفية – الاثنية، والمعتمدة منهجها، عن معالجة مشاكل البلد، اتسعت المشاكل وتعمقت، وتداخلت الأزمات لتتحول إلى أزمة لنظام الحكم، تجلت مظاهرها، بجانب ما سبق ذكره، في غياب الرؤى والاستراتيجيات القريبة والبعيدة، وفي الخلل الكبير في تطبيق مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب وما يترتب على ذلك من استبعاد للعناصر الكفوءة المخلصة والوطنية، وفي تفشي الفساد والبيروقراطية والترهل في اجهزة الدولة ومؤسساتها واجهزتها الادارية. كذلك في غياب ارادة العمل المشترك، وتقلص فضاءات التعاون والعمل الجماعي، وتنامي مظاهر الفردية، وتداخل الصلاحيات، وتقاطع التشريعات والتعليمات، واستمرار نفاذ العديد من قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، وما يفضي اليه ذلك كله من ارباكات تعمق جوانب التأزم والعجز. حتى انتهى الحال بأجهزة الدولة الى الشلل، وادى بالكتل السياسية الى العجز عن الوفاء بوعودها للناخبين عشية انتخابات آذار 2010 .
ولم يكن مجلس النواب بعيدا عن هذه الاجواء، التي اثرت على ادائه الدور التشريعي والرقابي المناط به. وجراء ذلك لم تشرع لحد الان قوانين هامة مثل قانون النفط والغاز، قانون الموارد المالية، قانون الاحزاب، قانون الانتخابات، والعديد غيرها.


الملف الامني وتطوراته
واصل الإرهابيون قتل الابرياء، وارتكاب المزيد من الجرائم، واستمروا في استهداف ابناء شعبنا من مختلف القوميات والطوائف.
وليس هناك من يجهل منطق الإرهاب والإرهابيين، ولا من يتوقع أن يلقوا أسلحتهم اختيارا، قبل دحرهم وشل أياديهم الآثمة ومنعهم من إهدار المزيد من الدماء، ومن دون ان تتوقف الدول الساندة والمؤيدة عن تقديم الدعم المالي والمادي واللوجستي لهم، ومن دون ان تبادر الاحزاب ذات الـميليشيات الى حلها واعلان ذلك على الملأ .
ان ما يقوم به سافكو دماء العراقيين، مدنيين وعسكريين، مواطنين عاديين ومسؤولين، حتى بعد جلاء القوات الامريكية، يكذب ما ظلوا يزعمونه دون انقطاع، من ان ارهابهم موجه ضد قوات الاحتلال لا غير، وان غايته إجبارها على الجلاء عن ارض الرافدين.
ان خطط الإرهابيين على اختلاف هوياتهم جلية وواضحة. فهم يستهدفون تعطيل الحياة العامة، واجهاض العملية السياسية، والعودة بالبلاد الي عهود الظلام والتخلف. والسؤال هو: ما الذي تم اعداده لإفشال مشاريعهم الشريرة في اطار المواجهة المفتوحة معهم، وصولا إلى دحرهم؟ وهل تم استخلاص العبر والدروس من خبرة السنوات السابقة، بنجاحاتها وإخفاقاتها؟
لقد أثبتت التجربة والممارسة العملية صواب ما كنا - ومازلنا - نذهب اليه، من ان مستلزمات وأدوات المواجهة والتصدي للارهاب، يجب ان لا تكون عسكرية - امنية فقط، رغم أهمية هذه وضرورة عدم التقليل من شأنها. فالحاجة تبقى قائمة إلى مجموعة من الاجراءات ذات الصلة بتمتين الوحدة الوطنية، والوصول بالمصالحة إلى غاياتها المنشودة. كذلك الإقدام على إجراءات اقتصادية وخدمية وثقافية وإعلامية فاعلة، والسعي الى توعية الناس وتطمينهم وكسب ثقتهم، واستبعاد الممارسات التي تحد من اندفاعهم إلى مساندة الدولة ومؤسساتها في المعركة ضد الإرهاب.
والمؤسف انه فيما تتجدد حالات الاختراق الأمني، ويسقط مزيد من الضحايا، تواصل القوى والكتل السياسية المتنفذة عراكها على مناصب وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني. وهي بذلك تبرهن مجدداعلى ان مصالحها ومغانمها ارقى منزلة عندها من امن الوطن واستقراره وسلامة ابنائه. وان الصراع على النفوذ والهيمنة هو ما حال حتى الآن دون استكمال قوام التشكيلة الحكومية، التي جاءت أساسا - كما اكد رئيسها نفسه - دون مستوى الطموح.
لقد آن الأوان لإجراء مراجعة تقويمية جادة للخطط والمشاريع الأمنية والعسكرية، ومواصلة بناء المؤسسات والأجهزة على وفق الكفاءة والنزاهة والوطنية والإخلاص للتجربة الديمقراطية الفتية وللدستور واحكامه، بعيدا عن المحاصصة و"التوازن" المزعوم. كذلك يتوجب تطهير تلك المؤسسات والأجهزة من العناصر التي تتقاطع معها في الأهداف والتوجهات. فمن غير الجائز بالنسبة للحكومة والدولة، ان يكون بين أدواتهما وأفراد مؤسساتهما من يشترك في إراقة دماء العراقيين.
ان معالجة الملف الامني تحتاج الى حزمة متكاملة من الإجراءات، وتوفير الإدارة الجيدة لها ضمن تصور استراتيجي، بعيدا عن المواقف الارتجالية والعبثية، وعن زج القوات المسلحة في غير مهامها المحددة وفقا للدستور، او الاستعانة بهياكل ومؤسسات يجري تشكيلها خدمة لاهداف سياسية ضيقة، او اعادة الاعتبار للمليشيات التي كانت وراء تأجيج الاحتقان الطائفي، وكادت ان تلقي بالبلاد في اتون حرب اهلية. ان مصلحة الوطن تقتضي تحريم تشكيل المليشيات في العلن والسر، وإخضاع من يقدم على ذلك للملاحقة القانونية وفقا لاحكام الدستور.


السيادة الوطنية الكاملة
سيبقى العراقيون يتذكرون يوم 31 آب 2010، كونه يوم انجاز خطوة هامة على طريق انهاء الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الكاملين، على وفق الجدول الزمني الذي تضمنته اتفاقية سحب القوات، الموقعة بين العراق وأمريكا. ففي ذلك اليوم استكمل سحب القوات القتالية الأمريكية من المدن والقصبات. والى جانب ذلك، وبدلا من العلاقات العسكرية - الأمنية بين البلدين، بدأ التركيز على العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وفق ما تقضي به اتفاقية الاطار الستراتيجي بين العراق و الولايات المتحدة، التي ينبغي أن يكون تنفيذها معززاً لسيادة بلادنا واستقلالها.
ولا شك أن القوات العراقية وهي تتسلم الملف الأمني بالكامل، تواجه تحديات استكمال جاهزيتها على مختلف الصعد.
وفي مجرى السير على طريق الاستقلال وتحقيق السيادة والتصفية الكاملة لآثار الاحتلال، لا بد من تشخيص النواقص والثغرات في أداء القوات المسلحة، ومواصلة العمل الحثيث لبنائها على أسس سليمة، بعيدا عن الولاءات الضيقة، أيا كانت، وعلى وفق معايير الكفاءة والمهنية والوطنية، والسعي لرفع قدراتها، بجانب تنشيط المنظومة الأمنية والاستخباراتية، وتكريس جهدها لصيانة العملية السياسية وتطورها اللاحق في اتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المؤسسات والقانون، كاملة السيادة. وفي رأينا ان من المفيد العمل بنظام خدمة عامة الزامية وتحديدها بمدة لا تزيد على سنة واحدة، وان يضمن الاستثمار الامثل للموارد المالية التي تخصص سنويا للقوات المسلحة، للارتقاء بكفاءتها وادائها.
اننا إذ ْ اعتبرنا عقد الاتفاقية العراقية - الامريكية الخاصة بانهاء الوجود العسكري الامريكي ( الذي تحقق يوم 31-12-2011) انتصارا لارادة الشعب العراقي، شددنا في حينه على ضرورة ان تسعى الحكومة والكتل السياسية، الى تهيئة مستلزمات تنفيذ تلك الاتفاقية بسلاسة، ودعونا في الوقت نفسه الى اتخاذ الاجراءات كافة، التي تضمن تمتع العراق بحقه في السيادة على ثرواته واراضيه ومياهه واجوائه، واكدنا تكرارا رفضنا اي وجود عسكري اجنبي ينتقص من سيادة البلاد واستقلالها.
وفي رأينا ان من غير الصحيح العودة الى الاساليب والممارسات الخاطئة التي كلفت الشعب والوطن الكثير، والتي يتحرر بلدنا بالكاد من نارها، نار الطائفية المقيتة التي اوشكت ان تحرق اليابس والاخضر، ووضعت البلد على حافة الهاوية. كما ليس من الصائب استمرار وجود الميليشيات، ايا كانت، وباية صيغة تجلت، بل ينبغي حصر السلاح بيد الدولة.
وان من مستلزمات تحقيق السيادة الناجزة للبلد الخروج به من الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة، والوقوف بوجه اطماع بعض دول الجوار التي تريد ان تتمدد داخل اراضي بلادنا، مستغلة اوضاعها الصعبة والفوضى الضاربة فيها.


تقزيم الديمقراطية والتعامل الانتقائي مع الدستور
شهدت بلادنا خلال الفترة الماضية سعيا حثيثا الى التضييق على الديمقراطية، واعطائها مفهوما يناسب مقاسات السلطات المتنفذة. وتجلى ذلك في ما يأتي:
الشروع عاجلا بعملية الاصلاح على اساس استبعاد نهج المحاصصة، وتعزيز نهج الكفاءة والنزاهة والفاعلية. ويعد الاسراع في تطبيق قانون مجلس الخدمة العامة خطوة في هذا الاتجاه.
> اعتماد الدراسة العلمية، والانطلاق من الواقع العراقي الملموس، والافادة من التجربة العالمية، بعيدا عن الاهواء والمزاجية والشخصنة في اعادة هيكلة الوزارات وغيرها من المؤسسات، وفي دمجها مع
> ان تتم العملية بالتشاور الجاد مع ذوي الاختصاص والخبرة، ومع المعنيين من ذوي الرأي السديد والوطني.
> ان تتخذ بجانب ذلك التدابير التي تحول دون التفريط بالقوى والطاقات والكفاءات، بل على العكس تحسن اعادة توزيعها وتوظيفها لخدمة المجتمع والبلاد.
> الالتفات الى الكفاءات والمواهب العراقية الكثيرة المنتشرة في بلدان العالم المختلفة، وتأمين التسهيلات التي تشجع عودتها والاستفادة من خبراتها في تحديث اجهزة الدولة وتطوير ادائها.
> الاسراع في تطبيق مشروع الحكومة الالكترونية .
ان الاستمرار في تجاهل تطبيق معايير سليمة وواضحة في اسناد الوظائف العامة ، سيزيد من اعداد المفسدين والمرتشين، ومن شلل اجهزة الدولة ومؤسساتها، وعجزها عن القيام بمهامها، وتحويلها الى ضيعات للمريدين والطبالين، وما يترتب على ذلك من فساد اداري ومالي وضعف في الاداء وانعدام للكفاءة.
من ناحية اخرى تبقى مخلفات الصراع السياسي المؤطر طائفيا، وبضمنها معضلة ملايين المهاجرين والمهجرين، تمارس تأثيراتها السلبية في حياة البلاد، وتكبح عودة الاوضاع الى حالها الطبيعي في الكثيرمن مناطق البلاد.


الحكم الاتحادي (الفيدرالي)
يرى الحزب الشيوعي العراقي في نظام الحكم الاتحادي شكل الحكم المناسب للعراق. وقد تبنى حزبنا هذا الموقف منذ اوائل التسعينيات من القرن العشرين، ارتباطا بالتطورات في اقليم كردستان غداة انتفاضة آذار 1991 . وجرى تثبيت ذلك لاحقاً في الدستور، حيث نصت مادته الاولى على أن "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضمان لوحدة العراق".
واكد الحزب موقفه الداعي الى تعزيز الفيدرالية في الاقليم، باعتبارها الحل الديمقراطي للقضية القومية الكردية في ظروف العراق الملموسة. كما ايّد، من حيث المبدأ، اقامة نظام اتحادي (فيدرالي) في العراق، على ان يقرر العراقيون شكل الاقاليم التي يتم تشكيلها وفقا للدستور، وبموجب الاليات التي يتضمنها قانون تكوين الاقاليم.
وشدد الحزب على ضرورة التأكد، عند تشكيل اقاليم جديدة، من الحاجة الفعلية لتكوين الاقليم المعني، وكونه يلبي طموحات ابناء المنطقة ذات العلاقة، ويعبر عن ارادتهم الحرة ، بعيدا عن الطائفية والفرض والاكراه. كما يتوجب ان يتم ذلك في اجواء التوافق الوطني العام ، وان يرتبط التنفيذ بتوفير الاجواء المناسبة لتعزيزالمصالحة الوطنية الحقيقية، واعادة الامن والاستقرار. وبذلك يكون تشكيل الاقاليم، في اطار العراق الديمقراطي الموحد، عامل استقرار وطمأنينة، وتمتيناً للوحدة الوطنية القائمة على الارادة الحرة والاتحاد الطوعي . ولضمان سلامة واستقرار البناء الاتحادي للدولة، لا بد من تنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وسلطات الاقليم، واحترام ما جاء به الدستور، سواء بشأن توزيع الصلاحيات، أم بآليات تعديلها. كما ينبغي توزيع الصلاحيات بين المركز والمحافظات بما يؤدي إلى تعزيز اللامركزية، سواء على نطاق البلاد ككل أم ضمن الأقاليم، والعمل على دعم المحافظات وتمكينها من ممارسة صلاحياتها.
وفي هذا السياق يجدر الاسراع في حل القضايا العالقة ذات المساس المباشر بعملية بناء الدولة الاتحادية، وتصفية تركة النظام الدكتاتوري. ويتطلب هذا اتخاذ خطوات جادة لمعالجة اوضاع المناطق المشمولة بالمادة 140 ، ومواصلة وتعميق الحوار المتبادل حول القضايا االاخرى القائمة، والتوجه الجاد نحو حسم ما يتعلق بها في التعديلات الدستورية، وانجاز التشريعات الاساسية المعلقة مثل قانون النفط والغاز وقانون الموارد المالية وغيرهما.
ان الفيدرالية، كما جاء في الدستور، رهن بارادة العراقيين الحرة وحقهم في اختيار شكل دولتهم ونظامهم، بعيدا عن اي ظرف آني طارىء، وبما يصون مصالح العراقيين جميعا على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم. وبهذا المعنى فهي تتعارض على طول الخط مع دعوات التقسيم والانفصال، وتشكيل الاقاليم خارج سياقاتها الدستورية .
وما اثير اخيرا بشأن الاقاليم، اكد مجددا أن استمرار الصراع غير المبدئي بين القوى والكتل السياسية، والعراك على المناصب والنفوذ، وانعدام الاستقرار والأمان، وتواصل التخندق والشحن الطائفي، ونشاط المليشيات المنفلتة والخارجة على القانون، وضعف الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ، والميل الى التفرد والتهميش والاقصاء، والتضييق على الحريات ، وضعف الحماس للشراكة الوطنية الحقيقية والمشاركة الفعلية في السلطة.. ان هذا كله وغيره يشجع التقوقع والانعزال، ويغذي الميول الانفصالية.
كما انه يغري مختلف الاطراف الخارجية على مواصلة التدخل في الشأن العراقي، والسعي لتوجيهه وفقا لما تريد هي، وليس كما يرى ابناؤه وما يريدون لمستقبل بلدهم.


الطريق الى تنمية مستدامة
اليوم، وبعد تسع سنوات على التغيير، تبرز الحاجة الملحة لوضع خطة اقتصادية – اجتماعية ستراتيجية واضحة المعالم، تعتمد معرفة عميقة بخلفيات وامراض الاقتصاد العراقي، وتوجهاً بناءً يوظف امكانيات قطاع الدولة والقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي في مسار منسق، وفي اطار نهج سياسي ديمقراطي ثابت، لانتشال البلد من تخلفه وتبعيته الاقتصادية، وتخليصه من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للثروة. خطة تبعث فيه الديناميكية وتحفز تطوره المستدام، وتطلق طاقاته الانتاجية الكامنة، وتنوع مصادره وينابيع غناه، لتحقق لشعبنا، والأجيال القادمة، مستوى معيشيا وثقافيا لائقا، يتيح لبلدنا المساهمة بشكل فعال في قسمة العمل الدولية، واللحاق بركب الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي.
ويتطلب الامر بدايات جادة ومنسجمة مع واقعنا الموضوعي، بعيدا عن استنساخ النماذج الاجنبية وتكرار التجارب التي لا تلائم خصائصنا التاريخية الملموسة، ولا مكونات وظروف حالتنا الاقتصادية. ولا بد من تحديد اولويات واضحة؛ فالمشكلة ليست في الانتقال من التخطيط والادارة المركزية الى الاقتصاد الحر، لان ما شهدته الفترة الماضية لم يكن تخطيطا علميا ولا ادارة سليمة، بل كان تسلطا وتفردا واستهتارا بالقوانين، وبتوجيه الموارد وإنفاقها. وسيبقى التخطيط ضروريا للادارة العلمية للاقتصاد الوطني، وهو لا يتناقض مع اللامركزية، بل هو بديل للفوضى والعفوية.
ولا تعالج المشكلة، ايضا، بخصخصة قطاع الدولة. فكما هو معروف، شرع النظام الدكتاتوري بالخصخصة منذ الثمانينيات، وكان ذلك في الحقيقة عملية ترحيل لاملاك الدولة الى اللصوص من البيروقراطيين والطفيليين. ولم تؤد تلك الاجراءات الى زيادة طاقة اقتصاد البلد. واستطرادا نقول ان معالجة قضية تخلف الاقتصاد العراقي، وهو اقتصاد ذو طابع ريعي خدمي، تكمن اساساً في تحسين استخدام موارده، واستثمارها باسلوب سليم، وتوظيفها بشكل عقلاني وعادل وصحيح ، لتكون مصدرا للتقدم والرفاه . فالامر يرتبط بكيفية توظيف الريع في تطوير الطاقة الانتاجية وتنويع الاقتصاد، وليس بمشاريع بناء الاجهزة القمعية وعسكرة المجتمع والتسلح، وبناء مرتكزات سلطة الاستبداد والدكتاتورية، ولا بالحروب الداخلية والخارجية، ولا بنهج الترف والبذخ والاسراف، كما كان يجري.
ولا نرى المشكلة ايضا في استقلالية البنك المركزي، اذا ما جرى تحديد مفهوم هذه الاستقلالية وتوظيفها لخدمة تطوير الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، وتحفيزه وتأمين الموارد له، وليس جعل البنك جسما منعزلا عنه. وهذا لا يعني، في كل الاحوال، العودة الى الممارسات القديمة، حيث جعلت الدكتاتورية من البنك مصدرا لتمويل خططهاالإجرامية، وعبثها السياسي والاقتصادي.
فالمعالجة، كما نرى، تبدأ من فهمٍ وتصورِ اقتصاديين سياسيين واقعيين ينطلقان من ضرورة الاستفادة من جميع انواع الملكية ( الدولة و الخاص، المحلي والاجنبي، المختلط و التعاوني) ووضعها في اطار يؤمن الاستقرار في علاقات الملكية، وتشريعها في صيغ قانونية تنسجم مع طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد. ومن ثم الشروع بإعادة بناء المرتكزات الاساسية والبنى التحتية الضرورية لاعمار وتنمية الاقتصاد الوطني: الكهرباء (التي لا نمو او اعمار من دونها) وقطاع الطاقة عموما، وسائل الاتصال والنقل، الخدمات الإنتاجية، مشاريع الإسكان الضرورية ايضا لضمان تحريك الدورة الاقتصادية بجوانبها المختلفة، وارساء الأساس الصحيح لمعالجة مشكلة البطالة، ولاعداد وتدريب الايدي العاملة الماهرة.
ويتطلب الامر، بموازاة ذلك، اعادة الحياة للمنشآت والمؤسسات الانتاجية - الصناعية والزراعية، والخدمية، عبر اصلاح الادارة الفنية والمالية لقطاع الدولة، وتوفير مستلزمات نهوضه واعادة بنائه على اسس المردود الاقتصادي والمنفعة الاجتماعية، وتشجيع ودعم القطاع الخاص، وتأمين الحماية له من الاغراق والمنافسة غير العادلة، وتوفير التسهيلات المصرفية والتأمين والخدمات، كي يستعيد هذا القطاع عافيته ودوره في رفد الاقتصاد الوطني.
ولأجل دعم قطاعي الصناعة والزراعة ، تبرز الحاجة الى تفعيل قانون التعرفة الكمركية وقانون حماية المستهلك وقوانين التقييس والسيطرة النوعية وغيرها، بما يوفر الحماية لمنتوجنا الوطني، ويحمي المستهلك العراقي من السلع الرديئة الداخلة الى بلدنا .
وفي سياق التوجه المخطط والمدروس للاستفادة من الطاقات والكوادر الوطنية، لا بد من التفكير الجاد بتحفيز عودة الكفاءات العراقية، وضمان الاستخدام الناجع لخبراتها وطاقاتها.
كما يتطلب الامر نهجا وتوجها سليمين نحو اقامة علاقات اقتصادية، تجارية ومالية، مع دول الجوار والبلدان العربية والعالم، على أساس المصالح المشتركة والمنافع والاحترام المتبادلين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ولا شك ان تنشيط الاقتصاد العراقي واعادة الحياة اليه ومعالجة تخلفه، وتحفيز وتشجيع الانتاج الوطني، مهمة صعبة ومعقدة. لكنها ممكنة التحقيق إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة، والنية الحسنة، واذا ما تم اختيار فريق وطني مخلص ونزيه وملتزم بالإستراتيجية الوطنية المعتمدة، لإدارة فروع الاقتصاد وتنميته.
والمطلوب الان هو الانطلاق الحقيقي على طريق تنمية اقتصادية – اجتماعية مستدامة و متوازنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والعناية بالكادحين والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا، وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل . وهذا يتطلب، من بين امور اخرى ، العمل على :
< مكافحة التفاوت والتهميش الاجتماعيين عبر بناء شبكة الضمان الاجتماعي الشامل .
< دعم البطاقة التموينية، باعتبار انها لا تزال الاسلوب الانسب لدعم المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، وتحسين مفرداتها وتنويعها، واصلاح وتطوير الآليات الادارية والمالية والرقابية لعقود تجهيز مفردات البطاقة وخزنها ونقلها وتوزيعها، بما يؤمن افضل استخدام للتخصيصات المقررة للبطاقة ، ويكفل الحد من الفساد، ويضمن جودة المواد ووصولها في اوقاتها المحددة .
< وضع برامج ملموسة لمكافحة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة، وتنفيذ ستراتيجية مكافحة الفقر.
< سن قانون جديد ديمقراطي للعمل، يضمن مصالح العمال وحقوقهم بما فيها حقهم في العمل النقابي، وتوفير ضمانات العيش الكريم للموظفين والمتقاعدين، وشمول المتقاعدين جميعا، القدامى والجدد، بالقانون الجديد للتقاعد.
< وضع سلم جديد للرواتب، وتقليص الهوة بين رواتب ذوي الدرجات العليا والدنيا.
<إعادة الاعتبار لضحايا الاضطهاد خلال الحقب المختلفة، عبر إنصاف المفصولين والسجناء السياسيين وعوائل شهداء وضحايا النظام السابق وأعمال الإرهاب والتخريب، بمن فيهم ضحايا انقلاب شباط 1963 .
< توفير الشروط والضمانات لعودة المهجرين والمهاجرين، وتعويض المتضررين.


ضرورة انعقاد المؤتمر الوطني
اصبح جليا في اعقاب تطورات الفترة الاخيرة بوجه خاص، حجم الصعوبات التي تواجه ادارة البلاد وشؤونها. فهي تنتقل من ازمة الى اخرى، ومعها تتفاقم معاناة الناس وشكواهم، فيما يتزايد القلق على مستقبل البلاد ومصيرها. ويأتي عجز القوى المتنفذة عن ايجاد المخارج والحلول للمشاكل والازمات المتناسلة في العلاقات ما بينها، وفي الادارة المشتركة لشؤون البلاد، ليضيف مزيداً من القوة لتقييمنا وتوصيفنا الأزمة، بأنها أزمة نظام حكم المحاصصة الطائفية والأثنية.
ولم يعد خافيا ان الكتل المتصارعة على السلطة والنفوذ والثروة لا تمتلك، حتى الآن، الارادة الكافية للاقدام على تنازلات جدية متبادلة، يربح بها الجميع والمصلحة العليا للناس والوطن، التي غيبت في مجرى الصراع المحتدم.
وحتى الآن ،ايضا، لم تستجب الكتل المتنفذة للعديد من المبادرات، التي طرحتها شخصيات واحزاب وقوى سياسية عديدة، في مسعى للحيلولة دون انزلاق الامور نحو المزيد من التدهور، وخسران كل شيء.
وقد تعمقت كثيرا في الآونة الاخيرة حالة التوتر والتشنج والتراشق بين الكتل الحاكمة. وارتبط ذلك ببعض الاجراءات التي اقدمت عليها اطراف في السلطة التنفيذية، لم يمنع استنادها الى مبررات دستورية وقانونية، من اثارة الكثير من الاسئلة لدى اطراف اخرى في شأن توقيتها ودوافعها والغاية منها. لا سيما وانها جاءت في ظرف تمس فيه حاجة البلد الى تراص الصفوف وتمتين الوحدة الوطنية، والارتقاء الى مستوى مواجهة الاستحقاقات القادمة، وتهيئة الاجواء لطمأنة الناس. كما جاءت بعد الجلاء التام للقوات الامريكية عن اراضي وطننا في نهاية العام الماضي، وهو ما اعتبرناه مع بقية الاطراف الوطنية انجازاً مهما، واستجابة لارادة شعبنا العراقي في رؤية وطنه يتمتع ، آخر المطاف ، بكامل حريته واستقلاله.
وجاء الرد من بعض المحافظات على الاجراءات المذكورة للسلطة التنفيذية، بخطوات نحو اعلان نفسها اقاليم. وحدث ذلك في ظروف التشنج والانفعال والبعد عن السياقات الموضوعية والحاجة الفعلية، بصورة هي اقرب الى التظاهرات الاحتجاجية وردود الفعل السياسية، رغم انها بدت دستورية وقانونية.
ويثقل المشهد المأزوم اصلا الاستشراء غير المسبوق للفساد وسرقة المال العام، وغياب الاجراءات الحازمة في حق المسؤولين عن ملفاته الكبيرة. الى جانب الخروقات الامنية المتواصلة التي يتسم بعضها بطابع نوعي، واستمرار الاغتيالات بكاتم الصوت والمفخخات، وتواصل تهديدات قوى الارهاب والجريمة المنظمة بالاقدام على المزيد منها.
ان استمرارالحال الراهن لا يعِدُ بحلول للأزمة السياسية، بل ولا يفضي سوى إلى اشتداد الازمة واتساعها.
ولأجل بحث جميع القضايا التي باتت تشكل نقاط اختناق للعملية السياسية، وتدفعها إلى خارج السكة السليمة، ولاجراء المراجعة والاصلاح المطلوبين ، اضافة إلى ايجاد الحلول لأزمة "حكومة الشراكة" التي تعصف بها الصراعات، طرح حزبنا فكرة اطلاق حوار وطني شامل، تشارك فيه القوى المؤسسة والمشاركة في العملية السياسية، سواء كانت اليوم في الحكومة أم خارجها، وبما يمهد لعقد مؤتمر وطني. واعتبر حزبنا ان المسؤولية الأكبر في الدعوة لهذا الحوار تقع على عاتق اصحاب القرار في السلطة والدولة، واقترح أن يتم التمهيد للعملية بدعوة القوى والشخصيات المؤسِّسَة للعملية السياسية والمشاركة فيها، الى لقاء تتداول فيه الحلول والمقترحات المطروحة اليوم، وجميع جوانب الأزمة السياسية للبلاد ومظاهرها وسبل معالجتها، إلى جانب مراجعة بناء الدولة ومؤسساتها بصورة شاملة، وصولا الى توافقات وميثاق عمل مشترك، يعزز الوحدة الوطنية وامن البلاد وسيادتها والبناء الديمقراطي الاتحادي للدولة.
لقد باتت الحاجة ملحة، بعد تجربة تسع سنوات منذ التغيير في 2003، الى نمط تفكير جديد في خصوص ادارة البلد. نمط يستبعد تماما كل ما له صلة بمنهج المحاصصة الطائفية والاثنية، وصيغتها المهذبة المسماة "التوازن الوطني"، ويرفض التعامل مع الدولة كغنيمة، ويبتعد عن ذهنية الحاكم المطلق الدائم. فهذا كله لا بد ان يكون جزءا من الماضي، في سياق المراجعة النقدية الضرورية لمسيرة البلاد منذ التغيير في 2003 . وهو ما يفترض ان يفضي ،في نهاية المطاف ، الى تحالفات واصطفافات جديدة.
ان من غيرالجائز ابداً، ان تُهدَر تضحيات الشعب، وتذهب سدى دماء شهدائه الابرار، وان يُحوَّل البلد الى "كانتونات" منعزلة، فتضيع تجربته الوليدة في خضم التدافع على السلطة والمغانم.
ان القوى الحية في المجتمع، من جماهير وشخصيات اجتماعية وثقافية واكاديمية وسياسية، ومن احزاب واطراف وطنية وديمقراطية ومنظمات مهنية ونقابية واجتماعية، مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى بالسعي دون كلل الى توسيع مساحة تأثيرها، وتعظيم دورها، وزيادة ضغطها لاعادة الامور الى نصابها، والسير بالبلاد على السكة السليمة، واستعادة الاستقلال والسيادة الكاملين، ومواصلة بناء الديمقراطية الحقة ومؤسساتها، واقامة الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
اننا نرى في ما تقدم مخرجا واقعيا، في ظل استمرار حالة الاستعصاء وعجز الكتل المتنفذة والحاكمة عن الخروج بالبلاد من ازمتها السياسية، ومن اجل الحفاظ على النسيج الوطني، وصيانة الوحدة الوطنية، وبناء العراق الديمقراطي الاتحادي الموحد.


الانتخابات المبكرة كخيار للحل
في هذا الجو المكهرب ليس ترفا ان يجري التحذير من عواقب الامور، او ان يصار الى التساؤل: ما دامت الاطراف المعنية عاجزة عن العثور على حل او تسوية ترضيها جميعا، فلماذا لا تعود الى الدستور، وتسترشد بما يشير اليه في مادته الـ 64 حول الرجوع الى الشعب عند الازمات، واستجلاء ارادته في انتخابات برلمانية مبكرة؟
يعترض البعض قائلا ان ذلك سيربك الوضع ويزيده تعقيدا! ولكن هل هناك ما هو اكثر إرباكا من الحال الراهن، الذي ينذر – فوق هذا - بما هو اسوأ واسوأ، اذا لم يتم تدارك الامر؟
ويرفض آخرون متذرعين بالتكاليف الباهظة! ولهؤلاء نقول ان مجرد الفرق بين زيادة اسعار النفط الخام المصدر حاليا وما خـُمن في ميزانية الدولة، لمدة خمسة ايام فقط، والذي يزيد على 300 مليون دولار، يكفي لتمويل العملية الانتخابية من الفها الى يائها!
اما من يتحججون في اعتراضهم على الانتخابات المبكرة بالسؤال: وماذا ستغير؟ فنرد عليهم بان كلاما كهذا يشكل في الواقع انتقاصا من وعي الشعب وجماهير ابنائه وبناته. فكأنهم لا يرون ولا يسمعون او يعون، وليس في مقدورهم النظر الى الامور بنحو سليم يمكنهم من رؤية الاشياء بواقعية، من دون تزويق او تشويه، والحكم عليها بموضوعية ومسؤولية.
ان الاصرار على ادارة الظهر للمخرج الديمقراطي والسلمي الذي يقول به الدستور، ومواصلة تسعير صراع المصالح والمطامح الى جني اكبر حصة ممكنة من السلطة ( النفوذ، الثروة، المكاسب، صنع القرار .. الخ ) والتي اطلقها نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية المقيت.. ان ذلك لن يصب الا في مصلحة اعداء البناء الديمقراطي للعراق، وفي مصلحة قوى الارهاب والتخريب بالذات. ولن يؤدي ، بالتالي ، الاَ الى ابقاء العراق ضعيفا واهنا، في الوقت الذي يواجه فيه مهمات كبيرة، يتصدرها السعي لاستكمال الاستقلال و السيادة الوطنية من خلال اخراج العراق مما تبقى من احكام الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة، وتأمين سيادته على امواله في البنوك الاجنبية و صادراته النفطية، و الغاء ما تبقى من قرارات مجحفة لمجلس الامن الدولى اثر غزو النظام المباد للكويت، والتوصل الى اتفاق مناسب مع تركيا وايران في خصوص قضية المياه، واتفاق آخر مع الكويت حول قضية ميناء مبارك، وغيرها.
ان خيار الانتخابات المبكرة الذي يتوافق - كما سبقت الاشارة - مع الدستور والممارسة الديمقراطية، والذي يتوجب ان تسبق اعتماده اعادة النظر في قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب واختيار مجلس جديد لمفوضية الانتخابات وانجاز التعداد السكاني .. ان هذا الخيار يمثل احد مخارج الازمة التي تجنب شعبنا عواقب تفاقم الصراعات بين القوى السياسية المتنفذة، والاحتمالات العنفية والمزالق الخطيرة الاخرى.

استنهاض التيار الديمقراطي
يتسم الواقع السياسي في بلادنا بمفارقة مثيرة للانتباه تؤكدها نتائج الانتخابات، وهي وجود جمهرة كبيرة من المواطنين ذوي التوجهات الديمقراطية، الموزعين على قوائم انتخابية مختلفة، ومنهم من يقاطع الانتخابات. وفي مقابل ذلك هناك تيار سياسي ديمقراطي محدود التأثير في المجتمع، وهو ما ينعكس في ضعف قدرة القوى المكونة للتيار على جمع وتوحيد صفوفها، وتنمية قدراتها على التعبئة الجماهيرية وحشد القوى التصويتية.
من ناحية اخرى، تقدم التطورات في البلاد خلال الفترة الماضية ، الدليل تلو الآخر على عجز القوى المتنفذة الممسكة بزمام السلطة، وبحكم طبيعة تشكيلها وبنائها السياسي والاجتماعي الطائفي – الاثني، ومصالحها الضيقة، عن تأمين حلول جذرية للمشاكل والتحديات الوطنية والاجتماعية-الاقتصادية التي تواجه البلاد، وتقديم برنامج لبناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على المواطنة، واحترام حقوق الانسان بمضامينها الفردية والاجتماعية، والعدالة الاجتماعية. وان ما يشهده العراق من تناسل لازمات حكومات نظام المحاصصة الطائفية - الأثنية، يعزز هذا التحليل والتقييم.
ان المطلوب في المرحلة الراهنة هو بناء وحدة القوى الاجتماعية والسياسية، ذات المصلحة في اعتماد المشروع الوطني الديمقراطي، وفي النضال لتحويله إلى واقع. فهو المشروع الأقدر على تحقيق المهام الوطنية، وبناء وتوطيد النظام الديمقراطي الاتحادي الدستوري، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتوفير العدالة الاجتماعية .كما أنه يوفر افضل الضمانات للتصرف السليم بالموارد النفطية، وتوظيفها لبناء اقتصاد وطني متنوع وكفوء.
وعلى هذا الاساس ووفق هذه الرؤية، تبنى حزبنا منذ اواسط التسعينيات اطروحة التيار الديمقراطي، باعتباره تياراً سياسياً واجتماعيا يسعى الى الديمقراطية بمضمونها السياسي والفكري والمؤسسي، وبمحتواها الاجتماعي المتجسد في وجود قطاع دولة فاعل وكفوء، واقامة نظام ضمان اجتماعي شامل، وتوفير البني التحتية للخدمات الاجتماعية المجانية وشبه المجانية المقدمة إلى المواطنين، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والاسكان وغيرها.
وحسب هذا الفهم لا يضم التيار الديمقراطي القوى والأحزاب والمنظمات والشخصيات، التي تعلن تبنيها الديمقراطية بمضامينها السياسية والاجتماعية، فحسب، وإنما يشمل القوى والفئات المجتمعية الحية، التي لها مصلحة في مشروع التيار الديمقراطي ولكنها لم تعبر عن ذلك سياسياً بعد.
وعلى هذا فان التيار الديمقراطي لا يقتصر على القوى السياسية والشخصيات المشاركة فيه حتى الان. فهو تيار منفتح امام القوى والشخصيات الاخرى التي تتبنى هذه التوجهات، وترغب في العمل المشترك.
ونجد ان الظرف الحالي يتطلب من القوى الديمقراطية، وكذلك اليسارية التي لها مشاريع سياسية واقتصادية اجتماعية أكثر جذرية، ان تدرك جيداً الاهمية الاستثنائية لدورها التاريخي في اللحظة الراهنة، وأن تتوجه لمواصلة الجهود الحثيثة الرامية الى تجميع قواها ورص صفوفها، بهدف استنهاض التيار الديمقراطي، وجعله طرفاً اساسياً في الصراع الدائر اليوم حول مستقبل العراق.
ان قوى التيار الديمقراطي القائم اليوم لا تدعي تمثيل سائر القوى الديمقراطية في المجتمع، او ان نشاطها وعملها يجعلان منها بديلاً لاي طرف آخر. ونظراً للطبيعة المتنوعة لمكونات التيار، والتي تشمل احزاباً واتحادات ومنظمات مجتمع مدني، اضافة الى الشخصيات المستقلة، تبرز ضرورة المرونة في التعامل، وسعة الصدر، ونبذ اي شكل من اشكال الهيمنة والاقصاء. كذلك يتطلب بناء تحالف هذه القوى وضمان ديمومته الاحترام المتبادل بين مكوناته، والابتعاد عن التحسس المفرط المتبادل، سيما إزاء الأحزاب من قبل بعض المستقلين. فلا بد ان يقر الجميع بحقيقة ان التيار يضم الاحزاب اضافة الى المنظمات والشخصيات، وان التفريط باي طرف او مكوَن هو اضعاف للجميع.
وبما ان المشروع الوطني الديمقراطي يستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية ، فان مهمة استنهاض التيار الديمقراطي وتوحيد قواه تطرح نفسها بقوة. اما بالنسبة للقوى والتنظيمات اليسارية ذات المشاريع الأكثر جذرية، فلا شيء يمنع التقاءها وتعاونها وايجاد صيغ للتنسيق، من دون وضع ذلك في تعارض مع بناء وحدة القوى الديمقراطية، ومع تفعيل الدور السياسي للتيار الديمقراطي. ولا يدعي الحزب الشيوعي احتكاره لتمثيل اليسار او الفكر الماركسي، وهو يحترم التنوع والاختلاف في الاجتهاد داخل قوى اليسار. ومن الضروري ان يتبنى الجميع قواعد الاحترام المتبادل، والحرص على تأمين شروط ومتطلبات وحدة قوى اليسار، لكي تتوفر قاعدة سليمة للحوار والبحث في صيغ التعاون والتنسيق والارتقاء بها.
ان استنهاض التيار الديمقراطي ضرورة تفرضها التطورات الحاصلة في البلد، والحاجة الى لململة صفوف التيار وتجميع قواه، وزيادة وزنه وتأثيره في الحياة السياسية، وفي احداث التغييرات المطلوبة باتجاه تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

من مهام الحزب في الفترة القادمة
في مواجهة الازمة الشاملة التي يمر بها البلد، والمفتوحة على احتمالات مختلفة، لا بد، بجانب ما جرى ذكره اعلاه ، وفي وثائق الحزب الاخرى، من التشديد على الاتي :
1 . تعزيز إمكانيات الحزب، وتوطيد بنائه التنظيمي، وبث الحيوية في مفاصل عمله على جميع مستويات هيكله التنظيمي، وتطوير حياته الداخلية عبر الالتزام بقواعد الديمقراطية، والروح الجماعية، والإبداع والمبادرة الخلاقة، والانضباط الأخلاقي العالي، وتوسيع صفوفه بضم خيرة أبناء الشعب خصوصا من الشباب والنساء اليه .
2 . المواجهة الكفوءة والواعية والعصرية للمهمات الفكرية التي تطرحها الحياة وتطوراتها، ويفرضها تعقد مهمات النضال السياسي والاقتصادي- الاجتماعي والتعامل مع التحديات الجديدة، حيث يتطلب النشاط الحزبي مستوى أرقى من التأهيل المعرفي - الثقافي، يتيح ادراكا افضل لما يفرزه الواقع من تجاذبات وتفاعلات.
3 . الانطلاق من حقيقة ان لا فاعلية لتوجهاتنا، إن لم نحولها الى نشاط جماهيري واسع، ذي شعارات ومطالب واضحة وملموسة. وهذا يتطلب تنويع انشطتنا وفعالياتنا، والانخراط في التحركات الجماهيرية، وتوسيع علاقاتنا في مواقعها: في الاحياء السكنية والمعامل والمزارع والمدارس والجامعات والمقاهي والنوادي وغيرها، في النقابات والاتحادات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، في المدن والارياف وفي كل مكان. وهذا يستلزم ضمنا استنهاض الحركة النقابية والمهنية الديمقراطية، واضفاء زخم جديد على نشاط المنظمات الطلابية والشبابية والنسائية.
4 . المساهمة الفعالة في تطوير وتعزيز نشاط قوى وشخصيات التيار الديمقراطي، والسعي لجعل التيار قوة فاعلة وحيوية من قوى شعبنا الوطنية الأساسية، بجانب مواصلة تحسين وتطوير العلاقات الوطنية مع مختلف القوى والاحزاب الوطنية، التي تشاركنا النظر الى مصالح الشعب والوطن باعتبارها الاولى، والتي لا تعلوها مصالح.
5 . المزيد من الاهتمام بالاعلام، كي ينهض بدوره في التعريف بسياسة الحزب وايصالها الى اوسع الجماهير .
6 . الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية والحريات التي يكفلها الدستور، في وجه اية ممارسات واجراءات تعرضها للانتهاك أو المصادرة أو التهديد ، والتصدي لانتهاكات حقوق الانسان ايا كانت اشكال تجليها، واستخدام كل الوسائل والسبل السلمية والدستورية في مواجهة مساعي تشويه الممارسة الديمقراطية، ومحاولات منع الناس من التمتع بحقوقهم المكفولة دستوريا، بذرائع وحجج غايتها تأطير المجتمع بنمط محدد، وبما يخالف ارادة الناس ورغباتهم وتطلعاتهم.


التطورات في المنطقة
عواصف التغيير
شهدت البلدان العربية منذ نهاية عام 2010 ولغاية الان، عاصفة من التغيرات السياسية التي تكللت باطاحة طغاة تونس ومصر وليبيا واليمن. ولم تهدأ العاصفة حتى اليوم، فحركة الاحتجاج الشعبية الواسعة ما زالت تحاصر الانظمة المستبدة، فلا توجد، كما يبدو، عاصمة عربية تعيش في مأمن من تداعيات هذه الحركة. حيث شملت ، وان باشكال متنوعة ، كلا من سوريا والجزائر وعُمان والأردن والبحرين والسعودية والمغرب .
اتخذت الأزمات التي مرّت بها هذه البلدان والحراك المجتمعي فيها مظاهر وأبعاداً مختلفة، واعتملت داخل تلك الازمات وهذا الحراك وبسببها تناقضات متنوعة، وترتبت عليها تداعيات ونتائج مهمة. ولا ريب ان لهذه الأحداث التاريخية الهامة تأثيرات ايجابية على حركة الجماهير في البلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم. وهي التي دللت، من جديد، على أن الأحداث الكبيرة والتغيرات الجوهرية تصنعها الشعوب إذا ما وعت مصالحها.
وان من الخطأ الحديث عن عامل واحد مسبب لهذه الأحداث. فهناك الكثير من العوامل التي تضافرت ، وانعكست بشكل مباشر أو غير مباشر، محسوس أو غير محسوس . وفي رأينا ان البحث يفترض ان لا ينحصر في تلك العوامل والمؤثرات المباشرة الظاهرة، فثمة في المجتمع وفي التاريخ كثير من الظواهر، والعوامل غير المباشرة وغير المرئية، التي تفعل فعلها في إنضاج الحركات الثورية، وفي التمهيد وخلق الأجواء المناسبة لها.
إن العامل الأساس والمحرك الرئيس هو العوامل الداخلية. وحين يتم الحديث عن العوامل الخارجية وتأثيراتها فانما يراد به التأكيد ، أن لها فعلا وتأثيرا وهي تتفاعل مع ما هو داخلي. وقد ركزت شعارات الحركات الاحتجاجية على الشؤون الداخلية في بلدانها ، على قضايا اقتصادية ومعيشية تتعلق بالبطالة ورغيف الخبز و استئصال الفساد ، وبعضها الآخر كان سياسيا يدعو لاسقاط الدكتاتورية و الاستبداد، ورفض التأبيد و التوريث، ومن اجل إقامة أنظمة ديمقراطية تطلق الحريات للشعب.
وان التطلع الى البديل الديمقراطي هو الذي شجع الناس على الانخراط في النشاط الثوري، وعلى مواجهة سلطات الاستبداد والقمع والدكتاتورية. هذا هو الطريق الذي يفضي بشكل سليم الى الحراك السياسي.
اما العوامل المحركة فالأول اقتصادي - اجتماعي – مطلبي، والعامل الثاني سياسي يتمثل بمواجهة نظام الاستبداد والمستبدين، وادراك ضرورة تغيير الحياة والنهج السياسي السائد في البلد، وهو يتداخل ويتفاعل مع العامل الأول. ومن الواضح إن العوامل الداخلية، وهي الأساسية، ساعدتها وهيأت لها أيضا العوامل الخارجية، الظروف الدولية والأجواء الإقليمية المناسبة للتحرك ولتحقيق المكاسب.
فكما هو معروف شهد العالم خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحولات وتطورات كثيرة، هزت الكثير من القناعات والكثير من المعاقل. فهي سنوات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، التي انفجرت في الربع الأخير من عام 2008، ولم تقتصر آثارها على الولايات المتحدة الأمريكية، بل هزت العالم كله، وان بدرجات متفاوتة. وقد وصلت آثارها بشكل مباشر الى الكثير من البلدان النامية، وبضمنها تلك المدللة لدى أمريكا، ولدى صندوق النقد والبنك الدوليين.
ان ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها من البلدان العربية ليس بمعزل عما جرى في بقية العالم، ليس بمعزل عن حركات ونشاطات الحركة الديمقراطية و الثورية في العالم. قد يقال أن بعض البلدان النفطية لا تتأثر بمثل هذا التأثير . نعم قد يكون ذلك ممكنا بحكم ما لديها من ريوع نفطية هائلة، تمكنها من أن تعالج بعض المشاكل الداخلية. ولكن علينا أن نتأمل الوجه الثاني للعملية ونتساءل: الى من تدفقت المساعدات والهبات والدعومات؟ الى من تتدفق الريوع النفطية ؟ من الواضح انها لا تتدفق لتحسين مستوى المعيشة، ولا لتحقيق التقدم الاقتصادي والصناعي والزراعي، ولا لتوفير طاقات إنتاجية. على العكس إنها مصدر للمزيد من الاثراء، ولتعميق التمايز الطبقي، وتعظيم التفاوتات الاجتماعية والتهميش. وفي بعض البلدان، كما نعلم جميعا، هناك ملايين تعيش في المقابر .. وملايين تعيش حياة الكفاف. لقد ربطت الجماهير، بتجاربها الملموسة، بين الثراء الفاحش للنخب والعوائل الحاكمة وما جرى من نهب لثروات شعوب المنطقة، باسم سياسات الانفتاح، والترويج لليبرالية الجديدة، واعتماد اقتصاد السوق المنفلت، وتكريس الزواج غير الشرعي بين المال و السياسة.
نعم، في هذه البلدان بنيت عمارات وعبدت طرق وأنشئت بنى تحتية، ولكن لخدمة الرأسماليين الطفيليين. وطبيعي ان هذا التقدم المظهري لا يلغي الاستقطاب الطبقي العميق، وإن غطى عليه لفترة. وحتى هؤلاء الحكام الذين أرادوا أن ينأوا بأنفسهم عما حصل في البلدان الرأسمالية المتقدمة من أزمات، ومن أوضاع غير طبيعية، كشفتهم وثائق (ويكيليكس) فظهروا على حقيقتهم - شخصيات هزيلة ، مهزوزة ، ذات طبيعة ازدواجية، منافقة - تقول شيئا وتفعل غيره. وهذا كله وغيره كانت مقدماته ظروف وأجواء عالمية ، تؤشر ما حصل وما سيحصل في بلدان عربية أخرى .
ولا بد أن نضع أيضا في اعتبارنا الوضع الإقليمي، عند تحليل ما جرى ويجري. فهناك حالة استعصاء تشهدها المنطقة، والمشاكل فيها لم تحل، ومواقف الحكام هزيلة ومؤذية ، لهذا نرى ما يحصل في كثير من البلدان. وعلى صعيد القضية الفلسطينية التي يعتبرها الحكام، نفاقا وزورا، القضية الأولى، يحق التساؤل: أين وصلت ؟ وما هو أفق حلها أمام التعنت والاستهتار الإسرائيليين، في تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لا سيما حقه في إقامة دولته المستقلة، وفي تجاهل الحل السياسي؟
وحين نتحدث عن العوامل التي أثرت وتؤثر في الحراك الجماهيري الذي طبع "الربيع العربي" لا يمكن أن نتجاهل تأثير النجاحات التي تتحقق في بلد على مجرى الأحداث في البلدان الأخرى. وقد كنا أمام عملية جدلية حيث بدأت الظاهرة الجديدة، حين استطاع الشعب التونسي أن يسقط حاكمه. صحيح انه كان أمام التونسيين مشوار طويل لإسقاط النظام ومؤسساته ومعالمه، ولكن انتفاضتهم بما رافقها وما أنتجت، شكلت في الواقع عاملا إضافيا محفزا للشعب المصري. كما قدم حراك الجماهير وانتفاضتها في مصر حافزا لتحرك الشعوب العربية الأخرى.
وقد بيّن تطور الأحداث انه ما من حاكم في المنطقة يستطيع أن يتجاوز نتائج وتأثير ما حصل، وما يمكن أن يساهم في اطلاقه من هزات شعبية في بلدانهم. فتحت تأثير الحراك الجماهيري في بعض البلدان، اقدمت بلدان اخرى على تقديم تنازلات واغداق هبات والسعي للتأثير على المزاج العام، كما حصل في الاردن والسعودية، وفي سوريا قبل التطورات اللاحقة فيها، حيث تتواصل الاحتجاجات وتطرح مطالب التغيير والاصلاح والديمقراطية، وحيث يتم اللجوء الى استخدام واسع للعنف والعنف المضاد، وسط مساع عربية ودولية لفرض مزيد من العقوبات على النظام السوري، وايجاد حل للازمة السياسية المتفاقمة فيها .
ولا بد من الاشارة الى ان الثورة تعني تغيير النظام الاجتماعي واستبداله بنظام جديد مغاير . وهذه العملية لم تكتمل بعد. صحيح ان الانتفاضات هزت عروشا وأسقطت رموزا، لكنها لم تؤسس بعد البديل المطلوب . علما ان الثورة المكتملة لا تكتفي باسقاط النظام السابق، وإنما ترسم ايضا ملامح النظام الجديد وتؤسس له.
ان ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، هزّ الجميع دون استثناء، وأثار ردود فعل متضاربة. فكل يريد أن يقطف الثمار وبضمنهم الحكام السابقون او اعوانهم. فالعمليات المتدرجة المتصاعدة لزعزعة النظام السابق، تقابلها محاولات محمومة ولا تخلو من ذكاء ، لاحتواء الحركات الثورية والالتفاف عليها، خصوصا وان الانتفاضات لم تستطع وضع قيادات على رأس الإدارات الجديدة في هذه البلدان.
أن الانظمة السابقة تمتلك قواعد وركائز لا يستهان بها، ويمكن ان تشكل خطرا حقيقيا على الانظمة الجديدة.
وفي المقابل، ما زالت أمام الذين انتفضوا وغيروا الانظمة مهمات كبيرة وخطيرة، ترتبط بها مصائر الثورة والتغيير، ومستقبل الانتفاضة. فالكثيرون من بقايا النظام السابق ما يزالون يبحثون عن الفرص المناسبة، لاستعادة المواقع ولإعادة بناء الركائز التي فقدوها، بغية احتواء واستيعاب ما جرى، ثم الالتفاف عليه وإفراغه من محتواه . وهم يبدون الاستعداد للدخول في تحالفات جديدة، مع من عنده الاستعداد للمساومة على حقوق الناس ومطالبهم واهداف التغيير. كما تسعى قوى سلفية متشددة ومتطرفة الى قطف ثمار نضالات الجماهير، وفرض اجندتها الخاصة التي تضيق بالتعددية والديمقراطية والحياة العصرية.
لقد كانت للانتفاضات الجماهيرية – كما سبق القول - دوافعها ومسبباتها الداخلية . فيما جاء الدعم الخارجي محكوما بمصالح تلك البلدان التي اقدمت عليه . وقد عملت هذه البلدان على تغيير مواقفها، وفقا لما يتطلبه مسعاها الى مواصلة تامين مصالحها. فامريكا مثلا قدمت دعمها المعروف لنظامي مصر وتونس المنهارين، لكنها تخلت عنهما ، وهو ما يكشف حقيقة مواقفها ومدى حرصها فعلا على دعم الديمقراطية وحقوق الانسان .
وقد تكون الادارة الامريكية غير مرتاحة لجمود وركود سياسات بعض الحكام، لكن سلوكها العملي اظهر انها لا ترغب بحصول مفاجآت، ذات نتائج تؤثر سلبا على مصالحها وحلفائها .
لقد تمت إزاحة كابوس الاستبداد والدكتاتورية في بعض البلدان، ولكن ما زال أمامها طريق وعر وطويل من اجل بناء دولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وستشهد مجتمعات تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها صراعات حادة ، و تنافسا بين القوى حول طبيعة ومدى التغيير المطلوب، وما إذا يجب المضي به نحو مزيد من التجذير، ليشمل ليس فقط تغيير القادة والمسؤولين الكبار ومحاسبة الفاسدين وإصلاح النظام، بل ليمتد إلى إحداث تغيير جذري في بنية الحكم وطبيعة النظام القائم. لذا ستظل المعركة مفتوحة حول طبيعة ومضمون البديل، الذي تتطلع اليه الشعوب التي انتفضت .
وفي الانتخابات التي جرت مؤخرا في عدد من البلدان المذكورة ، حققت قوى الاسلام السياسي نجاحات ملحوظة، وكان من اللافت صعود قوى متشددة، مما اضفى تعقيدات جديدة على اللوحة السياسية. وهذا برغم الطبيعة المعروفة للقوى المنتفضة، وحقيقة وجود اطراف واحزاب مدنية وديمقراطية، صارت تواجه الآن مهمات جديدة في ظروف اقليمية ودولية .
وفي ظل الاوضاع الجديدة وما حملته وستحمله عواصف التغيير، تبرز الحاجة الى تعزيز المشاورات وتكثيف الاتصالات واللقاءات، بين الأحزاب والقوى الشيوعية واليسارية والديمقراطية في البلاد العربية ، بما يمكنها من التبادل العميق والشامل لوجهات النظر، وبلورة رؤية مشتركة حيال الآفاق التي ينطوي عليها النهوض الثوري الراهن للشعوب العربية، وبما يعزز من مساهمة اليسار بصفة عامة واليسار الماركسي بصفة خاصة في معركة التغيير السياسي والديمقراطي في العالم العربي. كذلك الاعلاء من شأن قيم الاستنارة والعقلانية والعلمانية والحوار في المجتمع، والتصدي لقوى الثورة المضادة والمعرقلة لمسار الاصلاحات السياسية والديمقراطية والاقتصادية، الذي يشق طريقه في ظل صراع يحتدم مع القوى التقليدية والمتشددة والمحافظة، وفلول أنظمة القمع والاستبداد والفساد، التي أطيح بها، أو تلك التي ما تزال تعاند.
ولا بد من تأكيد ضرورة مواجهة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي يسعى الى ترسيخ السيطرة الامبريالية على منطقتنا، عبر استعادة مشاريع سابقة تهدف الى تفتيت العالم العربي الى دويلات تقوم على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وتصفية القضية الفلسطينية، وإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين كاملة. كذلك رفض سياسة عسكرة المنطقة العربية - وبالتحديد منطقة الخليج- وابرام صفقات تسلح باهظة التكاليف، وتكديس الأسلحة في دول المنطقة. ويبقى هاما تأشير ضرورة العمل من أجل تصفية القواعد العسكرية الأميركية والأطلسية في المنطقة بأسرها.

قضية الشعب الفلسطيني العادلة
تواصل خلال الفترة الماضية مسار المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المنفردة والمحاطة بالرعاية الامريكية ، بعيدا عن مرجعية القرارات الدولية.ولم تؤد تلك المفاوضات الى نتيجة تذكر. فيما تسعى اسرائيل ، في كل يوم ، الى اضافة حقائق جديدة على الارض وفرضها كامر واقع. ومن ذلك مواصلتها الاعتداءات العسكرية، واستمرارها في عزل قطاع غزة ، وبناء المستوطنات، وتهويد القدس، وتوسيع الجدار العازل . كل ذلك يجري وسط تواطؤ امريكي مكشوف لدعم اسرائيل وخططها، رغم ما يبدو من تغييرات شكلية في سياسة امريكا في عهد اوباما تجاه التعامل مع قضايا الشرق الاوسط عموما ، وقضية فلسطين خاصة.لا سيما لجهة التشديد على اقامة الدولتين. فضلا عن الاثار السلبية لاستمرار الانقسامات في صفوف القوى الفلسطينية، والعجز الواضح في النظام العربي الرسمي عن دعم الشعب الفلسطيني واسناد قضيته. وبدلا من هذا نرى تسابق عدد من الدول العربية الى التطبيع مع اسرائيل، قبل ان تفي هذه بكامل التزاماتها وفقا للشرعية الدولية.
ان تجربة السنوات السابقة قد برهنت على فشل المراهنة على الموقف الامريكي ، وضرورة التوجه الى الالتزام بمرجعية القرارات الدولية ومؤسسات الامم المتحدة ، بما في ذلك القرارات ذات العلاقة بانسحاب اسرائيل الى حدود ما قبل 5 حزيران 1967 ، وبقضايا اللاجئين والقدس . ان فكرة التخلص من ثنائية المفاوضات برعاية امريكية منحازة ، والتوجه الى عقد مؤتمر دولي جديد ترعاه الامم المتحدة ويتوج باعلان دولة فلسطين، هي المخرج الواقعي من المأزق الراهن، الذي يوفر مكاسب جديدة لاسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وان التمسك بذلك يتطلب، من بين ما يتطلب، وضوح الرؤية الفلسطينية، وتحقيق الوحدة الوطنية ، والتوجه الى حشد التأييد العربي والدولي . وان الحقائق المتحققة في منطقتنا، وزخم الحراك الشعبي الواسع ، والمتعاطف اصلا مع حقوق الشعب الفلسطيني العادلة ، اضافة الى المتغيرات الدولية ، توفر ارضية مناسبة للانطلاق بزخم افضل .
وفي ظل الظروف والمعطيات الجديدة نجدد تأكيد ضرورة التنفيذ الكامل للقرارات الدولية، والاستجابة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، واقامة دولته الوطنية على ارض وطنه ، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية.
ولكي نحيط بمجمل التطورات والاحداث الهامة في المنطقة، والنظر اليها في ترابطها، نشير الى عدد منها:
1- تواصل ازمة الملف النووي الايراني وتأثيرات ذلك على عموم المنطقة، وما ترتب عليها ويترتب من فرض عقوبات على ايران ،من قبل امريكا واوربا خاصة . وما زال خطر ان يتطورالامر الى نزاع مسلح قائما .
اننا نؤكد موقفنا الداعي الى معالجة هذه القضايا عن طريق الحوار، وتجنيب المنطقة شرور حرب جديدة، وهي لم تلتئم جراحها من الحروب السابقة بعد. كما نشير الى موقفنا الداعي الى جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية ، مع تأكيد حق الشعوب في استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية .
2- في ان العديد من البلدان العربية ذات تعددية قومية ودينية وطائفية ، ومن الواجب واللازم مراعاة حقوق افراد مجتمعاتها كافة وضمان تمتعهم بها. ولا ريب في ان ذلك لن يتحقق الا في ظل انظمة ديمقراطية حقيقية، تراعى مبدأ المواطنة وتلغي أي مظهر من مظاهر التمييز ومصادرة الحقوق . فعبر هذا فقط يتحقق الانسجام، ويتم تمتين عرى الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي. وكلما تحققت ديمقراطية كهذه ، كلما قل بروز حالات الانفصال، الامر الذي لم تتم مراعاته في السودان، فادى الى انفصال جنوب السودان، وهو ما كان يمكن تداركه. وتتحمل حكومة البشير المســؤولية الــكاملة عن ذلك، وعما يحصــل في مناطق اخــرى من السودان. فهي من سبــب االازمة الشاملة التي يعاني منــها البلد .


الاتجاهات العامة لتطورات الوضع العالمي
حول الأزمة المالية العالمية
تعصف بالنظام الرأسمالي منذ 2008 أزمة اقتصادية ومالية، هي الأشد والأعمق منذ الركود الكبير أواخر عشرينيات القرن الماضي وأوائل ثلاثينياته. وكان بين الآثار المباشرة للأزمة أنها هزّت احد أهم مرتكزات الهيمنة الايديولوجية، التي فرضتها الليبرالية الجديدة على مدى عدة عقود. حيث اثبتت هذه الأزمة، من جديد، أن السوق المنفلتة ليست عقلانية ويمكن أن تقود إلى كوارث. كما زعزعت الاعتقاد بعدم وجود بدائل أفضل للنظام الاقتصادي الدولي الراهن، واعطت دفعاً للمناضلين من اجل بديل يتجاوز الرأسمالية، وبدرجات مختلفة من الجذرية.
ومن المــلامح الــرئيســة لــلأزمة الحــالية ، وقد اكتسبت طابعا معــولماً، طغيان الطابع المـــالي علــى الاقتصاد الرأسمالي في المراكز الرأسمالية، نتيجة لاطلاق حرية حركة وانتقال رؤوس الاموال عبر الحدود، وإزالة جميع الضوابط الوطنية التي تتحكم فيها. وترتب على ذلك تضخم انشطة المضاربة، وانحسار الأنشطة الانتاجية، وتراجع الوزن النسبي للاقتصاد الحقيقي، وتآكـــل السيادة الوطنيــة، وخصـوصـــاً على صعيد السيــاســة الاقتصادية. ويقترن كل ذلك بمعدلات بطالة مرتفعة، واستقطابات شديدة في الثروة والدخل، وتعرض فئات ومجموعات اجتماعية متزايدة للتهميش الاجتماعي والاقتصادي. كما يقترن بالاستنزاف المتسارع للموارد الطبيعية، وما ينجم عنه من اختلالات خطيرة في التوازن البيئي. ويتزايد تفكك النسيج الاجتماعي، مع الهجمة الشرسة على انظمة الرعاية والضمان الاجتماعيين في البلدان الرأسمالية، وتنفيذ برامج التقشف، والتقليص الحاد للأجور والرواتب التقاعدية والنفقات الاجتماعية، وإلقاء عبء الأزمة على دافعي الضرائب، الذين يرغمون على دفع مئات مليارات الدولارات لإنقاذ مؤسسات مالية من الافلاس. وكان من امثلة ذلك ما جرى في ايرلندا واليونان، فيما تواجه اقتصادات اخرى، في البرتغال واسبانيا وربما ايطاليا، مصيراً مماثلاً.
وتقدم اليونان مثالاً صارخاً على تداعيات الأزمة في اوروبا. فالترويكا المكونة من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، دفعت الاقتصاد اليوناني إلـى الخـــراب، حيث ارتفعت البطالـة في البـلاد من 11بالمـائة إلى 16بالمـائة، وارتـفع مــعـدل الديون بشكل انفجــاري إلى 150 بالمائة من الناتج الاقتصادي، وتقلص الإنتاج الصناعي منذ عام بنسبة 11 بالمائة. ولم تفشل الرأسمالية اجتماعيا فقط، وإنما تقوم بتدمير الإنتاج الصناعي. ومن المقرر ان يرتبط منح قروض جديدة لليونان، مرة أخرى، باشتراط بيع الممتلكات العامة في البلاد الى القطاع الخاص، وإجراء استقطاعات حادة على الصعيد الاجتماعي. وتكشف هذه التطورات بوضوح الفشل الاجتماعي الكبير للرأسمالية في أوربا.
وتهدد أزمة الديون السيادية المتفشية أساساً في منطقة "اليورو" (العملة الأوروبية الموحـدة التي يستخــدمهــا ما يــزيد علــى 332 مليون نسمة في 17 من 27 دولة عضو في الاتحــاد الأوروبــي) بزعـزعة الاستــقرار في الأســواق المالية في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يزحــف الركود، أو على الأقل التباطؤ الاقتصـادي، على كل مكان في الــعالـم جــراء الركود الأوروبي وأزمة مـنـطـقـة "اليورو" التي تسير نحو الأســوأ، وفي اعقاب التخفيضات فـي الميزانية التي قررها الكونغرس الامريكـي، استجابة لشروط الحـزب الجمهـوري مقابـل موافقته على رفع سقف دين الدولـة، تجنـبا لاعلان الحكومـة الأمريكـية عـجزها عن تسديد اقــسـاط الـدين الحكـومـي.
و حذر خبراء من أن تداعيــات الـركـود العـالمـي في السنـــوات الاخيرة، أثرت بشكل كبير على البلدان النامية، واصــبحـت تعيــق تحقيــق اهداف ألفيــة الأمم المتحدة، ومن ضمنـها القضــاء على الفقر المدقع والجــوع بحـلـول 2015 .
محاولات احتواء الأزمة
وكان من العلامات المميزة للأزمة عولمة إجراءات مواجهتها ومحاولات وقف تداعياتها، كما تجلى في الاجتماعات المتوالية لدول "مجموعة الثمانية" (الدول الصناعية الثمان) ثم زعماء دول "مجموعة العشرين". وقد أقرّ هؤلاء نقاطاً عدة اعتبروها أساسية لانبثاق ما وصفوه بـ " نظام عالمي جديد"، أهمّها دعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتحفيز التجارة الدوليّة، وإطلاق ما قالوا انه "عمليّة عميقة لتخليص المصارف من اصولها واستثماراتها السيئة وتعزيز الشفافيّة". ولكن هذه الاتفاقات او التصريحات المعلنة، لم تتمكن من إخفاء الخلافات العميقة بين فرنسا وألمانيا من جهة، و الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان من جهة أخرى.
وتبددت في الأشهر القليلة الماضية بعض المؤشرات الاقتصادية "المتفائلة" بشأن بدايات خروج الاقتصاد الامريكي والاوروبي من الركود الاقتصادي، بعد تعمق الأزمة النقدية في منطقة "اليورو" واستمرار المخاطر التي تهدد اقتصادات بعض بلدان الاتحاد الاوروبي، رغم الاجراءات الاستثنائية التي اتخذت لإنقاذ اقتصاد ايرلندا واليونان والبرتغال واسبانيا من الانهيار. ويتوقع ان يطول الأمد الزمني لتداعيات الأزمة، وان ترافق ذلك موجات واسعة من عمليات الاندماج ومن البطالة والتهميش والاستقطاب، على الصعيد العالمي.
وتجلت الأزمة العالمية في إفلاس عدد من كبريات المؤسسات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي حدوث اهتزاز خطير في المراكز المالية للمصارف وشركات الاستثمار والتأمين. وهو ما استدعى تدخلاً مباشراً وغير مسبوق من قبل الدولة في عواصم البلدان الرأسمالية المتقدمة، إسناداً لمؤسساتها المالية وللحيلولة دون انهيارها، الذي من شأن تداعياته أن تخلق أزمة اقتصادية شاملة، تمتد الى الاقتصاد الحقيقي، أي الى مجال انتاج السلع والخدمات وتوزيعها وتداولها. أزمة يتحمل وزرها الأكبر ملايين الشغيلة وعامة الشعب، وذلك سواء بتسريحهم من اعمالهم، او بفقدانهم الممتلكات الخاصة بسبب عدم قدرتهم على تسديد القروض، وتوقف العمل في الكثير من ميادين النشاط الانتاجي والخدمي.
ومما يؤشر عمق الأزمة وخطورتها على النظام الرأسمالي، إضطرار زعماء نهج الليبرالية الجديدة الداعي إلى "تحرير" الأسواق وإقصاء الدولة عن الاقتصاد، إلى اقتراح خطط لـ "تأميم" المؤسسات المالية المأزومة، وزيادة "تدخل" الدولة في الشأن الاقتصادي.
فالأزمة تمثل تهديداً بالغ الخطورة للاقتصاد العالمي ككل، نتيجة الدور المتعاظم للرأسمال المالي، والتشابك المتنامي والاعتماد المتبادل بين اقتصادات الدول، ارتباطاً باتساع عملية العولمة، وما يمكن أن يسببه الركود الاقتصادي من معاناة شديدة على الصعيدين الانساني والاجتماعي، ومن تداعيات محتملة على مختلف الصعد في البلدان المندمجة بالاقتصاد الرأسمالي المعولم. ومن جانب آخر تعلن الازمة بصورة قاطعة فشل النموذج الليبرالي الجديد المتطرف للرأسمالية، الذي ساد على مدى أكثر من عقدين، ومعه اطروحاته في اطلاق العنان لانفلات قوى السوق، والاعتماد المطلق على آلياتها في ضبط حركة الأسواق وتوازنها.
وجاءت تصريحات بعض زعماء الدول الرأسمالية لتؤكد هذا الاستنتاج، حيث اعلنوا وجوب إجراء مراجعة كلية للنظام الرأسمالي، ولآليات عمله وضوابط حركة وتنظيم الأسواق، درءاً لخطر رواج الأفكار والمشاريع المناهضة للرأسمالية والداعية لتجاوزها.
وتتجلى الظاهرة الأساسية التي تقف وراء الانهيار في نظام الائتمان في البلدان الرأسمالية، في ازدياد الفجوة بين وتيرة نمو حركة رؤوس الأموال والاقتصاد المالي من جهة، و حركة الاقتصاد الحقيقي من جهة ثانية، أي نمو انتاج السلع والخدمات وتبادلها.
وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية، ارتباطاً بسياسات تحرير الأسواق من الضوابط المنظّمة لها، وخصوصاً الأسواق المالية، ، تنامياً متسارعاً لانتقال وتداول رؤوس الأموال والأوراق والسندات المالية والتوظيفات المالية، بحيث باتت قيمتها تساوي عدة أضعاف قيمة مبادلات السلع والخدمات. وترتب على ذلك انفصام متزايد بين حركة ونمو المجالين: الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي، والهيمنة الشاملة للاقتصاد المالي والنقدي على النظام الاقتصادي العالمي، خاصة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وخضوع هذا النظام إلى منطق تحقيق أقصى الأرباح لحملة الأسهم والسندات، وغيرها من أدوات التوظيف المستحدثة، التي تشجع المضاربة الشديدة وتحمل مخاطر غير عقلانية.
وتعبر هذه الأزمة عن التناقضات الداخلية للرأسمالية المعولمة، وتكشف مجدداً عجز هذا النظام عن حل التناقضات في إطاره من جهة، ومحاولته انقاذ مؤسساته المالية المنهارة بما يحفظ مصالح الطغم المالية المتسببة في الأزمة، حتى عن طريق تحميل أعبائها لعموم المواطنين، باستخدام الأموال التي يدفعونها بشكل ضرائب.
تناقضات تفتح إمكانات
في حين ما تزال الرأسمالية تمتلك من الثروات والأدوات ما قد يمكنها من احتواء الأزمة، بحيث لا تؤدي إلى انهيار النظام بأكمله، فان الاستنتاج الأهم الذي يمكن التوصل اليه بهذا الشأن، هو أن العالم لن يعود كما كان قبل انفجار الأزمة. فهذه ستفرض على الرأسمالية طي صفحة الليبرالية الجديدة، ووضع ضوابط جديدة يفترض ان تحول دون انفلات حركة الأسواق المالية ودون تكرار انفجار أزمات مشابهة. وبذلك تكون الأزمة قد أعلنت نهاية أطروحات "نهاية التاريخ" و "أبدية النظام الرأسمالي" التي انتعشت بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا، فيما تحفز عملية الانتقال الى عالم متعدد الأقطاب، حيث يبرز دور دول روسيا والصين ودول اوربا الموحدة والهند والبرازيل وغيرها، في وقت يشهد تراجعا في نفوذ وقوة الولايات المتحدة الامريكية. وهي بذلك تفتح أفقاً جديداً لنضال القوى المناهضة للرأسمالية على الصعيد العالمي.
وتجدر الاشارة الى ان الازمة وفرت، على صعيد الفكر والوعي، تربة خصبة لانتعاش الافكار العصبوية المتشددة (العنصرية والشوفينية والدينية المتطرفة...). وينجم عن ذلك كله احتدام في التناقضات والصراعات، ولجوء القوى الرأسمالية المهيمنة إلى العنف السافر والتدخلات المباشرة والحروب المحلية، لضرب وقمع القوى المناهضة لها.
وتدفع تناقضات الرأسمالية المعولمة طيفاً واسعاً ومتزايداً من الشرائح الاجتماعية للوقوف ضدها، بسبب تعرض مواقع هذه الشرائح ومصالحها للضرر، بما في ذلك شرائح من الرأسمال، ناهيك عن الطبقة العاملة والشرائح الوسطى. ويحتل البعد "الثقافي" أهمية متنامية، حيث تخوض العديد من القوى الاجتماعية والسياسية الصراع من منطلقات الدفاع عن الهوية، القومية أو الدينية.
وتؤدي هذه اللوحة المعقدة إلى خلق امكانيات واسعة لتطوير الحركات الاحتجاجية، وإكسابها محتوى مناهضاً للرأسمالية. ولكن ثمة تحديات فكرية وسياسية ايضاً تواجه تحقيق التحالفات المطلوبة، وتوحيد المطالبات المشتتة في تيار منسجم يعادي الامبريالية ويحمل، في الوقت نفسه، مشروعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تقدمياً.
ومن اكبر هذه التحديات والصعوبات، الجمع بين النضال من اجل التحرر الوطني والاستقلال وبين الخلاص من الهيمنة الرأسمالية المعولمة وتحقيق الديمقراطية، ببعديها الاجتماعي والسياسي. فاهمال أي من هذين البعدين يقود الى اختلالات جدية، والى اصطفافات غير منسجمة ومتناقضة. لذا فان النضال ضد الامبريالية لا بد أن يقترن، على نحو متلازم، بالنضال من اجل الديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية.
كما أن تنوع القوى والفئات التي تصطدم مصالحها بالرأسمال الاحتكاري المعولم وسلطته السياسية، والتراجع النسبي في قوة التضامن الاجتماعي بسبب التغييرات التي احدثتها التكنولوجيات الحديثة في الانتاج، إلى جانب تأثيرات العولمة وتوزيع العمليات الانتاجية، يجعل من الضروري ابتكار صيغ متنوعة ومرنة للتحالفات والقضايا التي تخاض من أجلها النضالات المشتركة.
ومن الامور الجديرة بالتوقف عندها في التحليل، العلاقة بين الصراع الطبقي والصراعات الاخرى، والتي تختلف في درجة اقترابها وابتعادها وصلتها بالصراع الطبقي. ويتحدد البعد التقدمي للصراعات الاخرى بقدر اغتنائها بالمضامين الاجتماعية.
ولا بد من الاشارة الى الحركات الجديدة التي شهدها العالم الرأسمالي في الفترة الاخيرة، وفي مقدمتها حركة " احتلوا وول ستريت"، والتي انتشرت بأشكال مختلفة في مئات المواقع داخل الولايات المتحدة وخارجها. وهي تستند في طروحاتها على مجموعة من الشعارات تستهدف بجملتها الشريحة العليا من المجتمع والقطاع المصرفي، وتنال تأييدا متناميا من اوساط اجتماعية مختلفة. ورغم الطبيعة العفوية والنزعات الشعبوية احيانا للحركة المذكورة، والتباينات الطبقية والعرقية بين المشاركين فيها، الا ان القاسم المشترك الذي يجمع غالبيتهم هو المطالبة بإعادة توزيع الثروة، التي يعتبر المشاركون ان "وول ستريت " وما يماثله من المؤسسات وما يستند عليه من قوى، هم المسؤولون عن التفاوت في توزيع الدخول وعن الازمة المندلعة منذ ايلول 2008 . لقد ساهمت "وول ستريت" بصورة مباشرة في تعظيم الاستقطاب، وتعزيز اللامساواة وبالتالي الازمة، لأن ارتفاع المداخيل في القطاع المالي انعكس زيادة ملحوظة في حصة الواحد بالمائة، المتربعة على قمة الاقتصاد، من الدخل القومي.
ولم يبق الغضب محصورا في " وول ستريت " وحده، بل امتد الى بقاع اخرى. فقد اجتاحت التظاهرات ما يقارب الالف مدينة في حوالي 85 دولة ، وشملت مختلف القارات. لقد تفجر الغضب العارم ضد ظلم القوى المسيطرة في قلاع راس المال، وفي مقدمتها الـ " وول ستريت " ومن الواضح ان شعارات من قبيل: " انتم تضاربون بحياتنا " و" انتم تقامرون بمستقبلنا "، تعكس التطلع والارادة في ان يكون الوضع الجديد اكثر عدالة ومساواة.
لقد اعلنت الازمة فشل النموذج الليبرالي الجديد المتطرف للرأسمالية، وفتحت بذلك آفاقاً جديدة تحمل إمكانات واعدة لنهوض واتساع نضالات القوى المناهضة ليس فقط للعولمة، بل وللرأسمالية ذاتها. ومن المتوقع ان تشق توازنات جديدة طريقها رغم كل العوائق، ورغم المقاومة التي تبديها الرأسمالية المعولمة، ما يفتح بالتالي فرصاً ويوفر امكانات جديدة للتغيير وبناء عالم أفضل.


تحديات تواجه قوى اليسار
يطرح الوضع العالمي الراهن ، بقوة اشد من أي وقت مضى، الحاجة الى تطوير بدائل اليسار والنشاط الموحد للقوى التقدمية ضد الحرب والنيوليبرالية والامبريالية، ونعني القوى التي حققت انتصارات كبيرة في انتخابات تشيلي وفنزويلا والبرازيل والاكوادور وبوليفيا وبيرو والاروغواي .. وغيرها. بالاضافة الى الترويج للافكار والاهداف الاشتراكية، وتشديد مكافحة النزعات اليمينية المتطرفة والرجعية على الصعيد العالمي. ويرتبط هذا على نحو وثيق بتعزيز التضامن العالمي ضد الاستراتيجية العدوانية للامبريالية، وضد هجوم العولمة الرأسمالية، والحاجة الى تقديم الدعم النزيه للنضالات المتواصلة في ارجاء العالم، من اجل السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
وعلى صعيد المنطقة العربية، التي ما تزال مجتمعاتها تتفاعل مع تداعيات "الربيع العربي"، تبرز اهمية استعادة قوى اليسار دورها، وتبنيها برنامجاً واقعياً للتحرر الوطني – الاجتماعي، يستند على النضال من اجل التغيير الديمقراطي، باعتماد وسائل النضال المشروعة التي تأخذ بالاعتبار خصوصية كل بلد. كما ان معالجة الأزمات العميقة الناجمة عن سياسات الانظمة العربية، وتبعيتها للرأسمالية النيوليبرالية العالمية، وفي مقدمتها الفقر والبطالة، تتطلب تطوير مقترحات ملموسة لبرنامج للنهوض الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، بما في ذلك التنمية الشاملة، كبديل لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ويتطلب تحقيق هذه الاهداف تنشيط دور اليسار في الحركة الاجتماعية، وتطوير رؤية سياسية نقدية تجاه الانظمة القائمة. وينبغي ان يكون الهدف الرئيس لبرنامج التغيير المميز الذي يتبناه اليسار، اقامة حكم وطني ديمقراطي ذي أفق اشتراكي، يمثل بديلاً للأنظمة التابعة. وفي هذا السياق، يتعين على اليسار ان يعمل على تعبئة العمال والفلاحين والمثقفين التقدميين وغيرهم من الفئات الاجتماعية، المتضررة من الهيمنة الامبريالية والراسمالية المتوحشة، في حركة جماهيرية من اجل تحقيق تغيير ديمقراطي حقيقي. وتتضمن المهمات الرئيسة لهذه الحركة، النضال من اجل جانبي الديمقراطية المترابطين على نحو وثيق: الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية.
ان تحقيق الديمقراطية، وبناء دولة قانون ومؤسسات تقوم على مبادىء المواطنة، هما الضمان لدرء الانقسامات الطائفية. وفي هذا الصدد يكتسب الدفاع عن حقوق الانسان، خصوصاً حقوق المرأة، وعن الحريات الديمقراطية الأساسية والحقوق النقابية، اهمية بالغة بالنسبة الى اليسار، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القضايا الوطنية الكبرى.



#الحزب_الشيوعي_العراقي (هاشتاغ)       Iraqi_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاغ عن أعمال المؤتمر الوطني التاسع
- بيان بمناسبة الأول من أيار
- في الذكرى ال 78 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي حزب للعمل والأم ...
- ايضاح من الاعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي
- ثورة 14 تموز معلم وطني اصيل
- لنجنب شعبنا المزالق الخطرة جراء تعمق الازمة في البلاد
- ليتواصل الضغط الشعبي لاخراج البلاد من الازمة! / بلاغ صادر عن ...
- بيان - مناسبة الاول من ايار ، اليوم العالمي للعمال
- تحية للذكرى السابعة و السبعين لميلاد حزبنا الشيوعي العراقي
- لنسكت -كاتم الصوت-
- يوم ليس كباقي الأيام 8 آذار في أفئدتنا
- نطالب بالإفراج الفوري عنهم
- الإصطفاف مع الشعب خيارنا الثابت
- المجد لشعب مصر البطل! المجد للجماهير صانعة التاريخ!
- تضامناً مع جماهير الشعب الثائرة في مصرالشقيقة!
- النصر لانتفاضة الشعب التونسي الشقيق!
- قضم الحريات باسم مكافحة الرذيلة!
- موقف الحزب الشيوعي العراقي من الازمة السياسية في البلاد في ض ...
- بلاغ عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
- تهنئة ... من الحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- أسير إسرائيلي لدى حماس يوجه رسالة لحكومة نتنياهو وهو يبكي وي ...
- بسبب منع نشاطات مؤيدة لفلسطين.. طلاب أمريكيون يرفعون دعوى قض ...
- بلينكن يزور السعودية لمناقشة الوضع في غزة مع شركاء إقليميين ...
- العراق.. جريمة بشعة تهز محافظة نينوى والداخلية تكشف التفاصيل ...
- البرلمان العراقي يصوت على قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي ...
- مصر.. شهادات تكشف تفاصيل صادمة عن حياة مواطن ارتكب جريمة هزت ...
- المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تثير جدلا بما ذكرته حول ت ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو روسيا إلى التراجع عن قرار نقل إدارة شر ...
- وزير الزراعة المصري يبحث برفقة سفير بيلاروس لدى القاهرة ملفا ...
- مظاهرات حاشدة في تل أبيب مناهضة للحكومة ومطالبة بانتخابات مب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - الحزب الشيوعي العراقي - التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي